السبت، آب/أغسطس 23، 2025

عودوا إلى المستنقع!

 
أكثر من خمسين يوماً مضت، والذين راهنوا على تعب الحراك الشعبي أنهكهم التعب. انتظروا فاكْتَووا بلهيب الانتظار، وكل دواء يصفونه لشفاء جروحهم من سيوف الثورة يستحيل داءً ويصير ملحاً يُرشّ على جروحهم. أفلست السلطة وفقدت شرعيتها منذ زمن طويل وانكشف إفلاسها وتعرّت تحت ضغط الشارع والناس المنتفضين.هنا جاء دور طابور الضفادع التي خرجت من مستنقعها لتملأ الدنيا نقيقاً: تنظير ناصح لجماهير الثورة في ظاهره تارة، أو داعياً إلى الحكمة والتعقل تارةً أخرى، ولكنّه في باطنه يهدف في جميع الأحوال إلى إحباط الانتفاضة. لا هدف لهم سوى إضعاف المواجهة ووضع العراقيل بوجهها، لكنّها ظلت دوماً أقوى منهم. في الطابور، اجتمعت ضفادع من برك آسنة مختلفة: فريق رأى، رغم "اعترافه" بمشروعية المطالب الشعبية، أنّ توسيع الرؤية لتشمل البعد الإقليمي تقتضي الدفاع عن منظومة حاكمة يشارك فيها، معتبراً تلك المشاركة مكسباً لا يجوز التفريط به وضمانة لموقعه المحلي والإقليمي، كما رأى حزب الله. فريق آخر تبنّى شعاراتٍ شعبوية وتستّر بتأييد محاربة الفساد، متناسياً أنّ خماسيته غير المقدسة (بري، جنبلاط، حريري، باسيل، جعجع) هي الفساد الذي يطالب الشارع بمحاربته وقطع رؤوسه وأطرافه، وفريق ثالث من داخل الفكر الاشتراكي يسير على هدى (أو بالأحرى على ضلال) "دمقرطة وأنسنة" الإشتراكية العلمية. هذا الفريق الثالث، الذي ابتُليَتْ به الماركسية – اللينينية منذ خمسينيّات أو ستينيّات القرن الماضي، يحمل في جعبته نظريات "نقدية" جاءت كلها على حساب المادية التاريخية، متسترة بنزعة "إنسانوية" تحجب إرتداداً صارخاً إلى طوباويات الفكر المثالي وأقانيم الفكر الديني – الميتافيزيقي. لكنّ التطورات الميدانية الراهنة تبعدنا عن الخوض في نقاش نظري بحت كهذا، وتشدّنا إلى موقفٍ عملي واضح ممّا يجري. نحن، الماركسيون اللينينيون، نؤمن بإمكانية تحقيق الثورة عند اكتمال ظروفها الموضوعية، ونطلب ما تراه نعاج الفكر "الإشتراكي الديمقراطي" المستحيل بذاته، حتى إذا حصلنا على الممكن عدنا إلى نضالنا من أجل ما يعتقدونه مستحيلاً، لأنّ ما نريده وتريده حركة التاريخ ليس إصلاحاتٍ للنظام الرأسمالي بل التصدّي للعلّة المركبة الأساسية: نمط الإنتاج، وعلاقات الإنتاج وملكية وسائل الإنتاج. إنّ حلم التغيير لا بدّ أن يكون حلماً جميلاً، نحو الاشتراكية لا نحو تحسين الرأسمالية.لذا نقول لكل أصناف المخربين والمعرقلين: عودوا إلى مستنقعكم، مستنقع الشرق المتعفن بالفكر الرجعي والاستعباد والاستبداد. ذلك هو مكانكم الطبيعي، فلا تلوّثوا مكاننا في مسار التغيير والثورة. أمّا نحن، فإنّنا في مواجهة الطبقة الحاكمة وجبن الطروحات الإصلاحية، حيث نجرؤ على النضال ونجرؤ على الحلم ونجرؤ على الإنتصار. الثورة تضحيات ومبعث فرح واحتفال: انظروا إلى السعادة وإن كانت ممزوجة بالألم في عيون المحتشدين في الشوارع والساحات. الشعب يريد الخبز والورود، وعلينا أن نساعده في المضي إلى آخر الطريق ليصل إلى الحرية الحقيقية ويكسر طوق استعباد رأس المال. فلنستكمل درب النضال من أجل وطن حرّ وشعب سعيد.

صرخة نساء الجنوب

 
"النظام الأبوي يقتل"، كان هذا أحد شعارات المسيرة النسوية يوم الأحد في مدينة صور. لم يتعدَّ عدد النساء الثمانين، لكنّ هذا الأمر لم يمنعهن من السير في شوارع المدينة الرئيسية، واقفاتٍ أمام مصرف لبنان والمحكمة الجعفرية، "مقبرة النساء" كما ذكرت الشعارات. كان صوتهُنّ مدوٍّ في كل شوارع المدينة. هتفْنَ ضدّ السلطة الدينية، هتفْنَ لحقّ الأمهات في الحضانة، لحقّ النساء في إعطاء الجنسية لأطفالهنّ، هتفْنَ ضدّ السلطة الأبوية وكل ما يحوي المصطلح من قمعٍ وذكوريةٍ واستغلالٍ وتميُّزِ فردٍ على آخر وإقصاءٍ واستضعافٍ للآخر. لعلّني أكثر تفاؤلاً من الكثيرات إذ أقول بأنّ هؤلاء النساء تحدّيْنَ مَن منعَهنّ من حقّهن في المشاركة السياسية والتظاهر في الساحات العامة والمساهمة باتّخاد القرار. إذ أنّ وجود النساء في الساحات والشوارع ليس بمشهدٍ مألوف في صور، بسبب حصر دورهنّ داخل التجمعات الخاصة الضيقة مثل المنزل وأماكن تجمّع الأسرة والحيّ. منذ بداية هذه الانتفاضة، كانت نساء صور الأقوى، بحيث عرفْنَ أنّ هذه الحقوق مكتسبة، ففرضْنَ وجودهنّ في الشارع وأصبحْنَ جزءاً أساسيّاً من انتفاضة صور، ونزلْنَ المسيرة يكرّسن ذلك. لنساء صور قوّة مرعبة، بالرغم من الواقع الاجتماعي القاهر. وكما يحدث في معظم المجتمعات المحافظة، فإن خروج النساء في كثير من الأحيان، ولو كان بهدف اللقاء بالأصدقاء، يخضع لبروتوكولات معيّنة، تحدّد المكان والمدّة والشكل وحتّى نوع الأصدقاء وشكلهم وبيئتهم. بينما يستطيع الأخ الأصغرأن يلعب دوراً في فرض سلطته على أخته التي قد تكبره بعشر سنوات. من المعلوم أنّ لصور خصوصية سياسية كحال الجنوب عامة، خصوصية من صنع حزب الله وحركة أمل، أقوى أحزاب السلطة. يأبى الثنائي إلّا أن يحافظ على هذه الخصوصية بكل ما لديه من أدوات لضمان استمراريته وسلطته. فلهذين الحزبين مثلاً سلطة لإلغاء حفلة يقيمها مطعم، بحجة أنّ في الفرقة الموسيقية "بنات بيلبسوا قصير". لهذين الحزبين سلطة لإقفال محال تبيع الكحول، ومنع جمعيات من دخول الجنوب، وإيقاف نشاطات غيرها، ومنع -بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- وجود ساحات عامة للتلاقي والتفاعل، أو تجمع شبابي له تطلعات تغييرية أو بكل بساطة رؤية يمكن أن تتعارض مع مشروعهم. كما فرض الثنائي أنماط تديُّن جديدة، وأسقط علينا ممارسات ثقافية هي في الأصل غريبة عن مجتمعنا عامة، والمجتمع الجنوبي خاصة. وهي أنماط ليست ذات منشأ ديني كما يدّعي، إنّما ذات بُعد سياسي رأى من خلاله قدرة للسيطرة على المجتمع وعقول الناس. أنتج هذان الحزبان نوعاً خاصاً من رجال الدين ودعموهم ليحظوا بثقل وسلطة تفوق في بعض الأحيان سلطة رجال السياسة. استخدم الثنائي الشيعي موارده، فائض قوته وسلطته لعزل المدينة عن التطور والانفتاح. وقد نجح بنسبة عالية ولفترة معينة. لعلّنا، كنا لأعوام مستسلمين لهذا الواقع، وكل ما استطعنا فعله هو مراكمة الكره وحقدنا تجاه هذه المدينة والهرب نحو بيروت. اليوم، تعلم هؤلاء النساء أنهنّ في مواجهة مع من ينصّبون أنفسهم أولياءً عليهن بدعم مباشر من أقوى الأحزاب سلاحاً ومالاً وسلطة. ثارت نساء الجنوب على هذه الإنتاجات والأنماط، كسرْنَ كل القيود الإجتماعية، تحدّيْنَ كل الأطراف المعادية، تحدّيْنَ المجتمع ونظرته للنساء في الشارع، تحدّيْنَ السلاح والعنف الذي يهددون به المنتفضين كل يوم. تحدّيْنَ أنفسهنّ وانتصرْنَ، فأحدثْنَ خضّة نوعية تزعزع أركان الموروثات الاجتماعية والأنماط التي كرّسها هذا الثنائي في نظرة مجتمعنا للنساء. هذه الخضة يبنى عليها لتأسيس نمط اجتماعي تقدّمي في تعامله مع النساء، ويؤسّس لشكلٍ جديدٍ للمدينة.

حب في زمن الثورة

شخصيات القصة من مدينة صور، أبطال رواية تبدو للوهلة الأولى غير حقيقية. كوثر بدوي من حارة الجورة - ما يُعرف بـ"حارة الإسلام"- حائزة على إجازة جامعية لتعليم اللغة الانكليزية عام 2018 وتبلغ من العمر 22 سنة. كانت تعمل في مقهى ستاربكس على الكورنيش البحري لمدينة صور قبل 17 اكتوبر. بدأت مسيرتها الثورية ليل الخميس عندما خرجت من المقهى لتسير مع التظاهرة الشعبية فطُرِدت من عملها في اليوم التالي. كوثر تملك صوتاً جميلاً وهي من "هتّافات" صور. الياس برادعي هو الشخصية الثانية في هذه الرواية، شاب عشريني من ما يسمّى بـ"حارة المسيحية" في صور. هو طالب جامعي في تصميم الغرافيك ويتلقّى تدريبات عديدة في التمثيل. كبطل رواية حقيقي، له هوايات عديدة منها ألعاب الخفة والنار. "كوكو"، هكذا يناديها الياس، كثيرة الحركة، اجتماعية، نشيطة بين المتظاهرين، تهتف بصوتها الرنّان بإصرار وثقة. أمّا "ليلو"، كما تناديه كوثر، فقد كان يتبعها في جميع نشاطاتها. في ساحة العلم يلتقيان، ويحتسيان القهوة ويتناولان الطعام معاً كلّ يوم. تقول روايتهما بأن الياس جاء في أحد الأيام متأخّراً يحمل طعام الغذاء لكوثر كونه يعلم أنّها ترهق نفسها في النشاطات. تمنّى لو تجلس بجانبه فتأكل وترتاح لبعض الوقت، لكنّه لم يجدها في الساحة وعندما سأل عنها قالوا له بأنها ذهبت إلى الصيدلية وسوف تعود. برد الطعام وحلّ الليل ولم تأتِ كوثر، فأصيب الياس بخيبة أمل. لم تترك له كوثر أيّ رسالة عن سبب غيابها المفاجئ. أمّا كوثر، فهي انتظرت رسالة من الياس أو اتصالاً منه، يستفسر عن سبب غيابها عن الساحة في ذلك اليوم ويطمئنّ عليها. لكن الياس لم يقدم على أي خطوة واعتبر أنّه أخطأ بإعطاء اهتمامٍ لعلاقة شخصية في ظل الثورة. عندما جاء اليوم التالي، التقيا في الساحة دون سلام. سأل أحد المتظاهرين كوثرعن مكان تواجدها في اليوم السابق، فأجابته بأنها كانت في المستشفى لأنّها كانت مريضة جداً. سمع الياس الحديث الذي دار بين المتظاهر وكوثر وأصيب بالخجل. أخذ يفكّر بكيفية الخروج من هذا المأزق، ثم ذهب إلى كوثر وأخبرها بأنه كان قد تصرف بتكبّر، وأنه لا يريد إزعاجها لأنه يعلم بأنها ليست مهتمة بأيّ ارتباط. فضحكت كوثر من دون تعليق. وعاد الياس يتبع كوثر كخيالها من الصباح حتى المساء ينتظر وقت الطعام أو القهوة صباحاً ليحظى بابتسامة أو حديث خاص بينهما. وفي يوم، قرّرأثناء إحدى الندوات الشعبية أن "يغيّر" الهتاف ويأخذ المذياع ليعلن لكوكو عن حبه بعد ثلاثة أسابيع تقريباً على بداية الثورة. إلياس الذي كان شاباً غير وفيّ في علاقاته مع النساء، يرى بأن هذه الثورة غيّرته. لم يشارك الياس في بداية الثورة ولم يهتم لما يجري، لكنه في اليوم الرابع نزل إلى مكان الاعتصام ورأى المتظاهرين. ثم لفتت نظره فتاة "هتّيفة" اجتماعية جدّاً، فأجبِر على الاختلاط بالمعتصمين. بدأ شيئاً فشيئاً يكتشف أموراً بسيطة لم يكن يعرفها من قبل، كحقّه بالحصول على الكهرباء 24/24 ، وبدأ ينمو لديه وعيٌ ثقافي حتى في مواضيع غريبة عنه تماماً كالحفاظ على البيئة. "أصبحت الثورة أملاً جماعياً"، يقول الياس. أمّا كوثر فتقول بأن الثورة هي مساحة للتعبير عن الرأي. لم يتغيّر شيء في شخصيتها المستقلة، لكنّها تعلمت من الياس "السحر". من جهة أخرى، هناك حواجز خوف في علاقة كوثر والياس، أولها الاختلاف الديني بين شخصين في علاقة. من ناحية موقف الأهل فأم إلياس أحبّت كوثر، أمّا أباه فقد اعتبرها في البداية شيوعية كافرة ومن عبدة الشياطين لعلمه بأنّ الياس تعرّف عليها في التظاهرات الشعبية، بالرغم من محاولات الياس لتوضيح صورة المتظاهرين الذين تعرّف عليهم وتعلّم منهم الكثير. والملفت أن أبا الياس مناصرٌ لحركة أمل. أبو كوثرالذي كان عضواً في حزب الله، أخذ موقفاً حاسماً جداً بعد اندلاع الثورة وخاصة بعدما طلب منه أحد عناصر حزب الله عبر اتصال هاتفي إخراج كوثر من الساحة، مهدّداً إيّاه بتجميد عضويته في الحزب. كان قرارُ أبي كوثر واضحاً، فقال له: "استقالتي جاهزة". انتفض أبو كوثر على حزبه ودعم ابنته لاستكمال مسيرتها النضالية. تختم كوثر روايتها بقولها "أحبه"، أمّا الياس فيقول: "يسقط نبيه بري".

النقل العام: طوق نجاة للبيئة الحضرية

 
أن يتوفّر الانتقال بين مكانَي الإقامة والعمل بيُسر وكلفة معقولة لكافة فئات المجتمع فهو مؤشّر يشفّ عن عدالة هذا المجتمع وحساسيته لمتطلبات معيشية أساسية لجميع أفراده. ولكن أين هي تلك الحساسية في مجتمع يتولى أمره ثلة من أصحاب المليارات لا تحتمل مخيلتهم مثل هذه المسائل!؟في نطاق بيروت الحضري وعلى صعيد النقل اليومي، يتنقّل ثمانون في المئة (80%) من الأشخاص عبر السيارة الخاصة وثلاثة عشر في المئة (13%) عبر الحافلات (الفانات والباصات) وسبعة في المئة (7%) عبر سيارات السرفيس والتاكسي. أما نسبة المتنقلين عبر الدراجات الهوائية والمشي (لغير هدف الرياضة اليومية أو الترفيه) فتكاد تنعدم بسبب فقر البنى التحتية المطلوبة لتيسير هذه الوسائط الحيوية والمستدامة للنقل. وبمثل هذه التقسيمة بين الوسائط المختلفة للنقل في مدينة كبيروت، حيث تتركّز مراكز الأعمال والسكن بمناطق محدّدة وتنحصر الطاقة الاستيعابية لشبكة الطرق (بسبب أوضاع تشغيلية هزيلة وظروف موضوعية تفرضها تضاريس المدينة وانحصارها المكاني) تكون النتيجة الحتمية هي الاختناقات المرورية المتفاقمة مع الوقت وما يرافقها من تلوّث بيئي وصخب سمعي وهدر لموارد بشرية ومادية عديدة. وما يفاقم الوضع أنّ معدل إشغال السيارات الخاصة يتدنّى لراكبٍ واحد (السائق) بالسيارة في أغلب رحلات الانتقال اليومي من وإلى أماكن العمل في ساعات الذروة الصباحية والمسائية. عدا عن كونه معزّزاً لثقافة الفردانية وعدم المشاركة، ينتج عن هذا السلوك المنتشر بين مالكي السيارات الخاصة كلفة اقتصادية باهظة، بما فيها التأخير والتلوّث وكلفة المواقف والصيانة من بين تكاليف عديدة أخرى. ومع تركز الوظائف والأعمال في مدينة بيروت ونطاقها الحضري، تتركّز مشكلة الازدحام على مداخل المدينة في ساعات الذروة الصباحية والمسائية. ويفاقم الوضع غلاء كلفة السكن داخل بيروت، بما يسبّب التمدّد العمراني المستمر في الضواحي بحيث تتبعثر مراكز جذب الرحلات اليومية وتنتشر أفقيّاً والذي يؤدّي بدوره لزيادة عدد الرحلات على شبكة النقل. في المفهوم المتقادم (اقرأ المتهالك) لحلول الازدحام المروري تسود مقاربة توسيع المساحات المخصصة للسيارات بما يشمل توسعة الطرق والتقاطعات وإقامة طرق وجسور جديدة. وقد أثبتت التجربة عبر مدن العالم أنّ كل توسعة طرق تستجلب ازدحامها المتناسب طرداً مع حجمها. وتكون المحصّلة النهائية لهذه الحلول الباهظة الكلفة الازدحام المتزايد، وصولاً إلى الإغلاق الشبكي العظيم (Grid lock) واقتطاع ساعات طويلة من الحياة اليومية في محبس السيارة الانفرادي. وتوثّق الأبحاث الاكاديمية والمهنية في الموضوع هذه الحقيقة بشواهد متكررة عبر مدن العالم. أمّا ما يثبت في البحث الأكادميي والتطبيق العملي كحل حاسم لهذه المشكلة فهو تعزيز وسائل النقل العام بدوره الحاسم في تأمين نقل حضري سلس وحيوي لاشتغال أي مدينة واستدامة حياتها اليومية. إذأً، الحل الجذري للاختناق المروري في بيروت معروف تماماً لدى جميع الأطراف المتابعة للموضوع. إنه النقل العام المتكامل والمتطور في مستوى خدمته وتشغيله وتغطيته المكانية والزمانية وموثوقيته في الانتقال اليومي، وهو يشمل الحافلات الكهربائية الحديثة وحافلات النقل السريع بالمسارات المخصصة والترام والترام-باص وغيرها من تقنيات حديثة ووسائل أخرى عديدة. ومن الملاحظ أنّ بعض صناع القرار على المستويات المتقدمة (نواب ووزراء) لا يزالون غير مدركين لحساسية المسألة ويرونها بالمنظار التقليدي القديم الداعي إلى توسعة الطرق للسيارات الخاصة. وليس هذا بالجهل البريء عند من يفترض اطلاعهم على أبسط أشكال الحياة في مدن العالم (القريب والبعيد). والمرجّح أنّ هذا الجهل مقصودٌ كرمى لأصحاب مصالح مالية كبرى تشمل ولا تقتصر على لوبيات مستوردي السيارات ومقاولي الأشغال المؤبدة على شبكة الطرق المنكوبة. أما أننا في زمن الانتفاضة المجيد.. فهلمّ إلى الدفع بالحلول الجذرية القادرة على جمعنا على متن مركب واحد، حلّاً واحداً وأخيراً!

النائب أسامة سعد: لتشكيل جبهة عريضة

تناول أمين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتور أسامة سعد، في مقابلة على إذاعة "صوت الشعب"، الأزمة التي يمر بها لبنان وموضوع الاستشارات النيابية وتأجيلها، وأكّد على أهمية تشكيل كتلة وطنية معارضة لفرض ميزان قوى سياسي جديد من أجل فتح مسار التغيير والانتقال من الأزمة المستحكمة في البلد بانهياراتها إلى مجال عام أوسع وأرحب تكون المعارضة الوطنية فيه وازنة وفعّالة. كما تناول  سعد موضوع الفيضانات التي حصلت في معظم المناطق اللبنانية، والتي كشفت عن هشاشة البنى التحتية والفساد في التلزيمات، مؤكّداّ أّنّ مليارات الدولارات قد صرفت على البنى التحتية دون أي نتيجة. وهو ما يدل على أنّ سرقات قد حصلت، إضافة إلى تنفيعات لمقاولين من جماعة السلطة، يضاف إليها الاستهتار في أعمال  الصيانة. واعتبر سعد أنّ "التحقيقات أو الملاحقة العدلية في الموضوع يجب أن تحمّل المسؤولية للمعنيين بمتابعة هذا الملف؛ إن في الوزرات، أم في الادارات المعنية". وشدّد على أن "تكون الملاحقة شاملة، وتطال كل المتسبّبين، كما يتوجب على المسؤولين ان يتحملوا المسؤولية، وليس أن يعتذروا فقط، كما عليهم ملاحقة المتسببين بهذه الأضرا". أمّا في موضوع الاستشارات النيابية وتأجيلها إلى الاثنين المقبل، واعتذار الخطيب بعد لقاء المفتي،  قال سعد أنّ "هناك تخبّطاً وسط أطراف السلطة بعد الانتفاضة الشعبية والتفاهم الرئاسي انهار، وهناك محاولات مستمرة لترميمه لإعادة انتاج النظام نفسه. والانتفاضة فرضت واقعاً جديداً أوجد صعوبات بين أطراف السلطة لإنتاج النظام من جديد، لكون تركيبة السلطة مركبة على محاصصات طائفية ومذهبية".  وأضاف سعد أنّ "التغيير بحاجة إلى موازين قوى تفرضه، ويجب العمل على توفير موازين قوى جديدة تفرض التغيير"، معتبراً أنّ "الانتفاضة ذات الهوية الوطنية تحمل إرادة التغيير، كما ترفض الواقع". وقال "كنا على الدوام مع شركائنا  في العمل الوطني والتقدمي نرفض الواقع ونحمّله اسباب الانهيارات، وأيضاً الانتفاضة تدين المرحلة الماضية وتطالب بالتغيير وعدم إعادة إنتاج النظام نفسه".  وأكّد سعد على أهمية تكتل القوى الوطنية لفرض واقع سياسي جديد يؤدي إلى مسار تغييري عبر مرحلة انتقالية. كما على قوى السلطة التسليم بواقع سياسي جديد فرضته الإرادة الشعبية، وعليها تقديم التنازلات السياسية لننتقل إلى واقع جديد عبر مرحلة انتقالية يعبرها البلد بسلام، وحتى لا نتعرض لمخاطر جدية على المستوى الاجتماعي والأمني.  وأشار سعد الى أهمية أن يشكل الحراك  لنفسه وزناً سياسيّاً، وأن يخلق معادلة سياسية جديدة لفرض خياراته ومواجهة الطبقة السياسية الحاكمة، وذلك عبر بناء معارضة وطنية شعبية وازنة تحمل رؤية وبرنامج يشمل كل الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أجل التغيير الديمقراطي.  وأخيراً شدّد سعد أنه "ينبغي على القوى السياسية  الوطنية المعارضة على مدى عقود من الزمن أن تتواصل  مع المجموعات المعترضة من أجل تشكيل جبهة عريضة للمعارضة الوطنية الشعبية لفرض ميزان قوى جديد في لبنان يفتح مسارات للتغيير والانتقال بسلام من حالة الأزمة المستحكمة بانهياراتها الى مجال عام اوسع وأرحب حيث تكون المعارضة الوطنية فاعلة، وإما أن تكون في السلطة إذا تمكنت من ذلك، أو تكون معارضة تفرض خياراتها على من هم في السلطة".